تذكروا لقد صرخت .. و لكن لم تكن ميادة وحدها من سمعتها .. معتز .. و قد وهجت عينيه
ثم ردد الكلمة .. ميادة .. ميادة من
تجمدت ملامحى و يبدو ان وجهى شحب أكثر مما كان شاحباً .. لقد قلتها .. ميادة
و لكن هذا لم يحدث .. لقد سمعنى معتز و انا اصرخ .. ميادة .. سألنى .. فصرخت ( أختى ) .. نعم بتلك التلقائية
توقعت ان تتغير نبرته .. و لكن ليس بدرجة أن يدفعنى الى الحائط .. لأرتطم بأشلاء الين .. و يجذبى من بقايا ملابسى .. ثم يصفعنى و يسألنى مرة أخرى .. أختك من ؟
ثم يستأنف .. اتعنى انك و اختك السبب فيما يحدث .. اتعنى ان اختك هى من قتلت الين و ضحى وصفى و عبد الرحمن و أتت لتكمل علينا ..
اتعنى انك كنت تعرفين طول تلك المدة و تخبئين .. اتظنين انك مركز الكون .. و نحن التافهون الذين ندور حولك .. و لا يهم ان نقص احدهم ..
ادمعت .. لما تحدثنى هكذا و كأننى من قمت بقتلهم
فأستأنف .. أنا لا أعرف أختك كى ألومها .. من أعرفه هو انت .. و انت من يحق عليه القتل و ليس هؤلاء الأبرياء ..
ازلت دموعى و حاولت أن أتحدث بثقة .. و ماذا كان يفيدك هوية القاتل .. هل كنت ستنقذهم ؟
تحدث بثقته المعتادة .. لو كنت أعرف انها أختك لكنت أنت الأولى بالتضحية .. حياتك كان يجب أن تضحى بها من أجل هؤلاء .. و لاتختبئين كالشاه تخشين أن يأتى دورك ..
ظللت شفتى تتحرك قليلا قبل أن تنطق .. لطالما فتحت لها صدرى كى تقتلنى لكنها لم تفعل .. لم أكن أنا من يختبئ كالشاة يا معتز ..
لم أكن أنا من أقف ألتصق بالجدران .. لم أكن أنا من تركت صديقى وحيدا فى البئر القاتل ..لم أكن أنا من أسخر من صديقى الذى أتى ليساعدنى .. لربما كتبت ميادة القتل على من يستحقون .. و أظهرت حقيقة بعضهم .. ان تلك التى تدعى دروس الحياة ..أفضل مما تعلمته طوال الثمانِ عشر سنة الماضية من عمرى .. لو كتب لى أن أنجو من تلك المحاضرة .. حينها .. سأدرسها للجميع ..
سمعت حسن يصرخ .. انه يصرخ بشدة .. كما لو أن امعاءه تتمزق .. مازال يردد اثنين .. اثنين
رؤية هذا المنظر يكفى لجراح متخصص بان يعتزل مهنته .. و لكنى لازلت لا أفهم ماذا يقصد باثنين ..
اشعر بالظلال تأتى من جديد .. اشعر بها تتخلل جسدى .. و تصب فيه قليلا من الرعب .. و كثيرا من الراحة .. اسمع خطواتها و التى بدأت أضعف من ذى بدء .. أكثر ما يسعدنى فى تلك اللحظة هو .. صمت معتز
عادت ميادة من جديد .. و اضاء و هجها فى الظلام .. حتى أن عينى لم تتحملانه .. و لكن اذنى التقطت اسم معتز .. انه يطمئنى بمزيد من الدقائق فى تلك الحياة ..
ميادة .. تتحدث .. نور دعنى أعرفك .. معتز .. ربما تعرفينه و لكن يبدو انه ليس حق المعرفة ..
معتز ابراهيم .. طالب بالفرقة الثالثة فى كلية .. التجارة .. صديق لأخيك تامر . أتذكرينه ؟
ربما ما زلت تتسائلين لما مات ..
ربما أخوك ليس مثالياً كما تظنين .. ربما سيكون مثالياً اذا لم يكن لديه أخت .. لديه أخت يعلم أصدقاؤه عنها كل شئ .. يعلم عنها اصدقاؤه انها تحب الشعر و الاغان الاجنبية و عصير المانجو و اللون الاسود و نكهة الشوكولا .. يعلم عنها أصدقاؤه بانها طالبة حديثة بكلية الطب .. و يعلمون هاتفها الجوال .. و يعلمون حتى جدولها الدراسى .. ربما ربما كان مثاليا لو لم يخبر صديقه معتز بذلك .. ربما كان كذلك لو تمتع بقليل من الشخصية و قليل من النخوة و الخوف على أخته ..
كيف كنت تظنين ان معتز يحب كل ما تحبينه و هو يكره القراءة أصلا .. و يجهل الانجليزية الى حد كبير .. عدا تلك الكلمتين الذى يستخدمهما لرسم الشخصية .. كيف كنت تظنين انه يهبط عليك كلما انتهيت من احدى الدروس .. هل يمتلك حاسة خفية ليشعر بموعد خروجك .. أم انه الأخ الوفى ..
و لكنه لم يكن لينجح فى هذا لولا وجود ( منة ) .. الصديقة المقربة .. مندوب الحب .. تلك التى كانت تمهد كل لقاءاته بك .. تلك التى تؤثر عليك بالكلمات و تقنعك بانك لا تفعلين شيئا خطأ ..
معتز .. لم يتطلب احضارك هنا الكثير .. حسنا أوافق .. المرسل / الين
نور .. احبك التى قالها معتز ليس كما تظنين .. لقد كنتى العرض الثالث .. لعرضين تم رفضهما من قبل من صديقتيك المقربتين .. الين .. ثم صمتت لحظة .. و ضحى
معتز .. مثلك لا يستحقون الحياة
يتوهج الشعاعان الأرجوانيان للحظة ليحجبان عنى الرؤية مجددا .. و لكننى اسمع صوت ثاقب .. سهم أو رمح أو ما شابه .. لا أدرى
أنا أرى الآن .. و لكن أين معتز .. أين هو .. مهلا انه هو .. احدى الأحذية من احدى التوكيلات الرياضية باهظة الثمن .. يعلوه بنطال من الجينز .. يعلوه حزام عريض .. يعلوه جسم رمح .. و بعض الدماء تلطخ قميصا أسود اللون .. يعلوه رقبه مبتورة ..
و هاهى الرأس الذهبية الشقراء .. التى لطالما أحرزت الكثير من الأهداف .. اراها تتدحرج أمامى
عذرا .. و لكن يبدو ان ميادة .. لن تمهلنى وقت كاف لأصف الموقف
نور .. انه حقا يشعرنى بالغثيان .. عندما تظنين انه كان يهتم بك لأنك أجملهم .. بينما هو كان يهتم بك لانك أكثرهم سذاجة ..
انطفأ الشعاعان الأرجوانيان للحظة ثم أضاءا مرة ثانية .. بينما أنا أصرخ .. ( ميادة )
فجأة أحسست بيد قد جذبت ذراعى .. لقد كان حسن .. عادة لا اسمح للفتيان بملامستى .. و لكن عندما يمنع مقصلة وزنها مائة كيلوجرام من ان تهوى على عنقك .. فتلامس اطرافك .. ليس أمامك سوى ان تستديرى و تشكريه .. ثم تصرخين من الألم ..
أرقد فى طريقى الى الإغماء و أصرخ بجوار .. قدمى الدامية .. بينما حسن يستند بصعوبة الى الحائط المجاور ..
يخرج كلمات محتضرة .. الى ميادة .. ( لما ؟ )
و تجيب ربما تعرف
حسن يسألها .. أعلم .. و أعلم ان ليس كل ما تظنيه صحيحا .. اذا اخبرينى لماذا الين
اخبرينى ؟
هل تزعجك رؤية فتاتك هكذا أم ماذا ايها الفتى .. أجابت بفتور
هنا .. المجنونة .. أجل أنا .. صرخت بحسن .. هل تعرفها .. هل تعرف أختى
أجاب
رفقا .. انها ليست أختك .. ألا تذكركى تلك العينين البنيتين اللامعتين بأحدهم
ربى .. لا .. ما ذا تقول .. لم أكد أقترب و أرمق تلك العينين البنيتين .. حتى أرانى أطير الى الصندوق .. لأجد السمراء مازالت مكانها .. و أنا أردد مستحيل
يجيب حسن ببطء .. أجل هى .. الاثنان هى .. الشخصية المثالية ( الأنا الأعلى ) و الشخصية الضعيفة ( هى ) .. بينما تلاشى الأنا فى الوسط
تلك المبادئ التى تستغنى عنها يوما بعد يوم بحكم الموقع الطبى .. و تلك الشخصية المثالية التى تسعى الى الكمال .. قوتان متنافرتان لم تستطع الأنا تحملها
انفصلت الشخصية المثالية و قررت الانتقام .. قررت الانتقام ممن يخالفون مبادئها الشخصية .. من يستمتعون بقتلها يوما بعد يوم .. و تركت الشخصية الضعيفة التى يجرفها الواقع .. و استسلمت له لتتحول الى .. طالبة طب ..
لقد نما الكره و الظلام داخلها ليخلق وحشا .. يدمر ولا يصلح .. ربما تكون محقة .. فقد قتلت من هم عار على البشرية .. كل من الطبيب المغيب و الأخ الساذج و الصديق المنافق و الطالب الميت .. كل يحتاج للاصلاح ربما هناك طريق .. و لطالما ارادت أن تصلح فلابد أن تتحمل عناء العمل ..
و لكن تلك ( الأنا ) الضعيفة لم تستطع تحمل الفارق .. و تركت شخصيتها الضعيفة التى أيضا تحتاج الاصلاح .. تلك التى استسلمت لأهوائها الشخصية .. و عملت بمبدأ الغاية تبرر الوسيلة ..
و لكن ايلين .. لقد قتلتها غيرة و حقد فقط .. ايلين الأجمل . ايلين الأذكى .. ايلين تمتلك الكثير من المعجبين
ربما خلقها الله جميلة و لكن ليس ذنبا لها .. و ان تفتخر بجمالها هو أيضا حق لها .. و لكن ان تسخر منا .. و تتهاون بمشاعر الآخرين .. فهذا ليس حق
لما قتلت ايلين اذن يا ضحى ؟
يتلاشى الظلام تدريجيا .. و كأن كلام حسن كان ينتقص من قوتها ..
اجابت ضحى الجميع يحب ايلين .. حتى معتز اتى هنا من أجلها .. يظل الجميع يمدح ذكاءها رغم اننى احرز المزيد من الدرجات ..
حتى أنت أحببتها .. أيها الخائن
لا أدرى ماذا أصاب حسن .. سوى ان تطاير منه الدم و هوى الى ذراعى للمرة الثانية .. لا استطيع فعل شئ سوى ان انظر الى المغيبة أمامى
أراها تكمل و تصرخ .. لما هى أنانية .. لما تأخد كل شئ .. لما تركز عليها النظر .. لما تأخذ ما أحب .. لما تأخذ من أحب
تتسايل الدماء من شفاة حسن .. و يتلعثم فى كلامه .. ضحى .. أنا لم أكن أحب الين .. لقد كنت أحبك . ( أنت ). لتكون تلك آخر كلمة ترسم على شفتيه بسمة النهاية ..
و لكنى لم أكن أتوقع أن تلك الكلمة قد خرجت بالصدق الكافى .. لتنهى كل شئ .. يتلاشى الشعاعان الارجوانيان .. بينما أرى النور لأول مرة منذ دخولى فى تلك الأحداث .. ان الموت يعطى التعريف الأسمى للحب .. الحب هو ذلك المرض الذى يصيب الجسد الميت بداء الحياة ..
تتلاشى اللوحة الدامية من أمامى .. لا جثث .. لا أشلاء .. لا شبح .. لا ضحى .. لا ايلين .. لا وصفى .. لا عبد الرحمن .. لا منة .. لا .. معتز
معتز الذى لم يتبق منه سوى مفاتيح سيارته .. و ضحى التى لم يتبق منها سوى حقيبتها
أجر قدمى الدامية نحو الباب .. المفتوح على مصراعيه الآن .. بينما ينبعث منه النور
أجر قدمى .. حتى اصل الى سيارة معتز .. انها حقيبة ضحى .. ما هذا .. انها تلك العينين الخضراوين .. مضحك .. لا تتوقعوا منى الصراخ بعد ما رأيت .. سأحتفظ بهما .. و لكنى أشعر بالجوع .. لأتناول ما فى الحقيبة من طعام
انا الآن فى سيارة معتز .. و لكن تلك المرة أنا التى أقود .. أتناول طعام ضحى .. ضحى تلك المخلوق البعيد عن الخبث .. كان أكثرهم دهاءاً .. ربما امتزج شعورى نحوه بالكره .. ببعض الشفقة .. ليس لها .. و لكن لضحى القديمة .. تلك الفتاة التى كنا نبخثها حقها .. و لم نشعر بقيمتها الا عندما غابت ..
عندما تعلو عنا ننساها .. و عندما تقل لا نهتم .. عندما نعلو نحن تفرح لنا .. عندما نقل تواسينا
عندما تحتاج لا نجيبها .. عندما نحتاج نجدها .. عندما تتحدث تصدق .. عندما نتحدث نكذب
نجبرها ان تضعنا فى المرتبة الأولى ولا نرضى سواها .. فى حين نضعها نحن فى المرتبة الثانية ..
تقبل برأينا .. حتى لا تثير المشاكل .. لكننا نعتقد انها ضعيفة الشخصية و نحن اقوياء .. فى نفس الوقت الذى حتى و ان كان رأيها صحيحاَ .. نعترض .. ليس لشئ سوى لنثبت أن شخصيتنا أقوى
توددها لنا .. احتياجا و ليس صداقة .. توددنا لها عطفا و شفقة .. ربما يجب أن تشعر بالآخرين
مرحبا .. أنا نور .. طالبة بالفرقة الثانية بكلية الآداب .. اليوم هو الذكرى الثالثة لاختفاء أخى تامر .. الكل لا يعلم أين أختفى .. الا أنا بالطبع ..
أنا الآن فى سيارتى .. اضع عكازى بجانبى .. لقد انتهيت للتو محاضرتى .. لقد كانت عن صلاح جاهين .. مضحك .. يذكرنى هذا بأحدهم
( ولدى بقولهالك لما صوتى اتنبح .
. ماتخافش من جنى ولا من شبح
و ان هب فيك عفريت قتيل اساله
مادافعش عن نفسه ليه يوم ما اندبح
اتعلم يا معتز .. ربما ان رأيتك مرة أخرى .. سأستمع الى نصيحتك
أنا الآن أمام كلية الطب .. لم آتى الى هذا المكان تحديداً .. و لكنى أرى جيل جديد من الأطباء الصغار .. يحملون معطفهم الأبيض .. و تلمع بأعينهم الثقة .. و لكن لا أعتقد انه أمضوا بها و قتا مثيرا كما قضيت
لما آت لهذا المكان حبا فيه .. و لكنه فى الطريق الى طبيبى النفسى .. فاليوم هو آخر حصص العلاج .. يحاول الاطباء اقناعى بان ما رأيته ليس سوى تهيآت .. فى الوقت ذاته .. لم يتم العثور على أى من المختفين .. حتى عينى ايلين اللتان احتفظت بهما قد اختفيا .. على أى حال لقد ساعدنى طبيبى كثيراَ .. ربما يروى اليكم قصتى يوما ما ..
تمت
أيمن ختعن
https://www.facebook.com/aymnkhataan